PLAY da ku guh bide radyoyê
أصبحت تركيا قاب قوسين أو أدنى ليس فقط من توطين صناعة الأقمار الصناعية بإمكانيات محلية خالصة تصل نسبتها إلى 100%، بل أيضاً من امتلاك منظومتها الصاروخية المحلية الخاصة بإرسال الأقمار الصناعية إلى الفضاء، التي باتت جاهزة لهذه المهمة بعد تجاوزها عدة اختبارات مؤخراً. ومع هذه الإنجازات المتعاقبة تمكنت أنقرة من حجز مكان متقدم لها في نادي الدول المحدودة التي تمتلك هذه التكنولوجيا.
ولم تُحقق هذه الإنجازات نتيجة للحظ ولا الصدفة بل هي نتاج جهود كبيرة بدأتها تركيا منذ عام 1994 عندما أطلقت إلى الفضاء قمرها الصناعي الأول بمساعدة خارجية، الذي كان بمثابة الشرارة التي أشعلت برنامجها الوطني الخاص بالفضاء والأقمار الصناعية الذي نما تدريجياً واقترب من أن يكون محلياً بشكل كامل، ويهدف إلى تقليل الاعتماد على الخارج في هذه التقنية وتوطينها من أجل تعزيز أمن اتصالاتها فضلاً عن توظيف الأنظمة المحلية بالكامل في المجال العسكري.
ونتاجاً لهذه الجهود تشارك تركيا في معرض “القمر الصناعي 2021” المنعقد بالعاصمة الأمريكية واشنطن الذي يعد أكبر معرض فضائي حول العالم عبر 3 شركات رائدة هي: “توركسات” وشركة “صناعات الفضاء والطيران التركية” (TAI) بالإضافة إلى شركة “بروفن”، التي تعرض منتجاتها الخاصة بتكنولوجيا الفضاء والأقمار الصناعية عبر منصاتها في المعرض الذي يستمر حتى يوم الجمعة 10 سبتمبر/أيلول الجاري.
بداية الحكاية
تزامناً مع ثورة الصناعات الدفاعية المحلية التي بدأتها تركيا بعد العقوبات الأمريكية والغربية عقب عملية السلام القبرصية عام 1974، التي ازدادت تسارعاً وزخماً في العقدين الأخيرين مع مجيء حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في البلاد منذ عام 2002، أدركت أنقرة منذ البداية احتياجها إلى الاستقلال في مجال الأقمار الصناعية وأنظمة إطلاقها من أجل توطين صناعاتها العسكرية بشكل كامل، وقطع اعتمادها على الخارج سواءً من واردات الأسلحة وتقنيات الأقمار الصناعية وخدماتها.
وشهد يوم 24 يناير/كانون الثاني 1994 أولى تجارب تركيا مع الأقمار الصناعية المملوكة لها، إذ جرى إطلاق القمر “توركسات 1A” بواسطة المكوك الأوروبي “أريان 4” من محطة الأطلاق الفرنسية في غيانا، الذي انفجر قبل أن يصل إلى مداره. ليجري بعدها بثماني شهور وضع القمر الجديد “توركسات 1B” بنجاح في مداره وتشغيله في 10 أكتوبر/تشرين الأول 1994.
وتباعاً ازداد عدد الأقمار التركية في الفضاء وازدادت مشاركة تركيا في إنتاجها وتجهيزها، إذ شهدت السنوات الـ27 الأخيرة إطلاق تركيا ما مجموعه 7 أقمار صناعية إلى الفضاء لأهداف تكنولوجية وعسكرية باعتماد على الخارج قلّ تدريجياً مع مرور السنين، مكنت تركيا من أن تحل في المرتبة الـ26 عالمياً من حيث عدد الأقمار الموجودة في المدارات الخارجية للأرض.
وتمتلك أنقرة اليوم أربعة أقمار فعالة للاتصالات هي “توركسات 3A” و”توركسات 4A” و”توركسات 4B” و”توركسات 5A “، إضافة إلى ثلاثة أقمار للرصد والاستطلاع هي “غوكتورك 1″ و”غوكتورك 2″ و”راسات”.
أقمار صناعية وأنظمة إطلاق محلية
على طول الطريق الممتد إلى قرابة 27 عاماً في تكنولوجيا الفضاء وتقنيات الأقمار الصناعية لم تكتفِ تركيا بامتلاك الأقمار الصناعية وتشغيلها وحسب، بل شاركت بشكل فاعل في تصنيعها وتجهيزها، وحث علمائها وخبرائها ومساعدتهم على اكتساب أحدث خبرات تقنية الأقمار الصناعية استعداداً لليوم الذي ستكون فيه أنقرة جاهزة لتصنيع أقمارها وإطلاقها وتشغيلها بإمكانيات محلية خالصة.
وبالتزامن مع إطلاق القمر الصناعي “توركسات 5A ” وتشغيله والاستعداد لإطلاق “توركسات 5B” إلى الفضاء في الربع الأخير من العام الجاري، اللذين بدأ تصنيعهما منذ عام 2017 من خلال التعاون بين شركة الطيران العالمية “إيرباص” والشركتين التركيتين “توركسات” و”صناعات الفضاء والطيران التركية” (TAI)، أعلن الرئيس التركي أردوغان عن أن القمر التركي “توركسات A6” الذي بُني باستخدام موارد محلية بالكامل هو الآن في مرحلة الاختبار ويُخطط لإطلاقه إلى الفضاء العام المقبل.
ومع إطلاق القمر الأخير الذي جرى بدء تصنيعه منذ نهاية عام 2014 تحت إشراف وزارة النقل والبنية التحتية بالتعاون مع المؤسسة التنفيذية للمشروع “معهد توبيتاك لأبحاث تكنولوجيا الفضاء”، والمؤسسة المشغلة لشركة “توركسات” والمؤسسات المتعهدة بالمشروع وهي “الشركة التركية لصناعات الفضاء” (TAI) و”أسيلسان” و”سي تيك”، ستكون تركيا من بين 10 دول في العالم يمكنها إنتاج أقمار صناعية للاتصالات.
ولم تتوقف المحاولات التركية لإنتاج قمرها الخاص وتصنيعه بإمكانات محلية وحسب، بل نجحت أيضاً في تطوير منظومة إطلاق صاروخية لنقل “توركسات 6” وأقمار أخرى إلى الفضاء بإمكانات وطنية خالصة. وفي هذا الصدد أتمّت الشركة التركية المتخصصة في تطوير وإنتاج الصواريخ “روكيتسان” تطوير برنامج صاروخي لإطلاق الأقمار إلى الفضاء واختباره، مؤكدة نجاحه خلال التجارب في الوصول 4 مرات إلى الفضاء.
وكالة الفضاء التركية
ضمن مساعيه لتصبح تركيا بلداً رائداً في تكنولوجيا الفضاء والأقمار الصناعية وتعزيز الأمن القومي التركي من خلال الحد من اعتماده على الخارج أصدر أردوغان نهاية عام 2018 مرسوماً رئاسياً يقضي بتأسيس “وكالة الفضاء التركية” لتكون تابعة لوزارة الصناعة والتكنولوجيا. وعاد العام الجاري ليؤكد مجدداً أنه سيتابع شخصياً عمل الوكالة تزامناً مع إعلانه عن “برنامج الفضاء التركي” الذي يستهدف إرسال مركبة فضائية إلى القمر بحلول عام 2023.
وأشار وزير التكنولوجيا والصناعة التركي مصطفى ورانك إلى أن وكالة الفضاء ستحدّد سياسات بلاده واستراتيجياتها في مجال تكنولوجيا الفضاء، معتبراً أنه حلم تنتظره تركيا منذ 20 عاماً تحقق الآن من أجل حراسة مصالح تركيا القومية في الفضاء.
ومن أبرز المهام المنوطة بوكالة الفضاء التركية نقل تركيا بقوة إلى أعلى المستويات في السباق العالمي نحو الفضاء، إلى جانب تطوير الصناعات التنافسية بهذا المجال وتعميم استخدام التكنولوجيا الفضائية بشكل يتماشى مع المصالح الوطنية ورفاه المجتمع، واكتساب تقنيات ومنشآت تضمن الوصول المستقلّ إلى الفضاء وتوقيع عقود لتشغيل المحطات الأرضية الفضائية، فضلاً عن ضمان التنسيق بين المحطات والتواصل بين المؤسسات المحلية والدولية لحماية حقوق تركيا ومصالحها.